السؤال:
ما حكم بناء مسجد بالقرب من مسجد آخر، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وآله وصحبه، أما بعد: فهذا موضع فيه تفصيل، كما يلي:
1- إن كان بناء المسجد الثاني بقصد الضرار والتفرقة بين المسلمين، أو بقصد الرياء والمفاخرة فقط، فلا يجوز بناؤه وأفتى العلماء بهدمه، وقد نهى الله تعالى عن الصلاة فيه.
2- أن لا يُقصد ببنائه الضرار، ولا حاجة لبنائه:
فهذا المسجد لا ننصح ببنائه لأنَّ الأدلَّة دلَّت على وجوب اجتماع كلمة المسلمين، ورغَّبت في اجتماع المصلِّين في مكان واحد حال إقامة الجمعة، والجمعات ، لما فيه من التعاون على البرِّ والتقوى ، وإقامة شعائر الإسلام ، ولما في ذلك من الائتلاف بينهم والمودة والتعارف، والتناصح، وتقوية الأخوة في الله، والعمل بآداب الإسلام من عيادة المريض، ومواساة المحتاج، وتفقد الجار لجاره، ونحو ذلك، وتأسِّي بعضهم ببعض في الخير ، ولما في ذلك أيضًا من زيادة الفضل والأجر بكثرة الجماعة، ولما فيه من إغاظة أعداء الإسلام من المنافقين وغيرهم باتحاد الكلمة ، وعدم الفُرقة.
وفي المسند (21265) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ رَجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ رَجُلٍ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ) وهو حديث حسن.
واختار طائفة من أهل العلم تحريم بنائه والحالة هذه، وهي رواية عن الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام، والمرداوي كما في الفروع وتصحيحه. وبهذا يفتي العلامة ابن باز، وابن عثيمين، والألباني ، رحمهم الله.
وحكى القاسمي في إصلاح المساجد عن السيوطي قوله: «ومن تلك المحدثات كثرة المساجد في المحلّة الواحدة ، وذلك لما فيه من تفريق الجمْع، وتشتيت شمْل المصلين، وحلّ عروة الانضمام في العبادة، وذهاب رونق وفْرة المتعبِّدين، ومضادة حكمة مشروعية الجماعات، والمضارة بالمسجد القديم، أو شبه المضارة، ، وصرف الأموال فيما لا ضرورة فيه».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه مسجد الضرار، ويرون العتيق أفضل من الجديد، لأن العتيق أبعد عن أن يكون بُني ضرارًا من الجديد الذي يُخاف ذلك فيه. وعتْق المسجد مما يُحمد به، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق﴾ فإن قدمه يقتضي كثرة العبادة فيه أيضًا وذلك يقتضي زيادة فضله». مجموع الفتاوى (17/469).
وقال ابن قدامة في المغني : «وجملته أنَّ البلد متى كان كبيرًا، يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد، ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره، أو ضيق مسجده عن أهله، جازت إقامة الجماعة فيما يحتاج إليه من جوامعها ... فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز ـ أي إقامة الجمعة ـ في أكثر من واحد، وإن حصل الغنى باثنتين ـ أي جمعتين ـ لم تجز الثالثة، وكذلك ما زاد، لا نعلم في هذا مخالفًا، إلا أن عطاء قيل له: إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر؟ قال: لكلِّ قوم مسجد يجمعون فيه، ويجزئ ذلك من التجميع في المسجد الأكبر. وما عليه الجمهور أولى، إذ لم يُنقل عن النبي ﷺ وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة، إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك، ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل».
والأولى لمن يريد البناء:
- أن يوسع المسجد القديم.
- أو أن ينظر أهلّ حيٍّ ولو في بلد غير بلده يحتاجون إلى بناء مسجد فيبني لهم.
3- أن يوجد حاجة للبناء، ككثرة الناس المصلين، أو وجود بغضاء وفتن بين طوائف من الناس لم يمكن احتواؤهم ويُظن عند اجتماعهم حصول فتنة وشر وقتال، أو عدم وجود مسجد سُنة وفي المسجد الموجود بدع مزعجة ظاهرة أو شركيات كما هو حال مساجد الرافضة والصوفية، أو بُعد المسجد عن جماعة من المصلين بعدًا يشقُّ عليهم أو يحول بينهم وبينه هوامّ أو ممرّ ماء ونحو ذلك ولو في بعض الصلوات، ونحو ذلك من الأسباب، فلا بأس إن شاء في هذه الحالة ببناء المسجد الثاني.
وإذا اقتضى البناء استئذان ولي الأمر أو نائبه في بلد ما؛ فلابدّ من مراعاة ذلك حسمًا لمادة الفتنة، وبعدًا عن مواقع الاشتباه، والله تعالى أعلم.